لمحات سورية (4)

لمحات سورية

وقت القراءة.: 3 دقائق

صار وقت "المونة"..!

عبارة يتبادلها السوريون خلال فصل الربيع والصيف أو ما يُقال له وقت "المونة". وهي ثقافة سورية قديمة ومستمرة حتى يومنا هذا في البيوت السورية، وتعني ما يدَّخره السوريون في منازلهم من مواد غذائية في أوقاتها الموسمية الطبيعية لتبقى موائدهم عامرةً بالأطايب في الشتاء..

طقسٌ سنوي يتشارك الجيران والأقارب فيه الذهاب إلى سوق الخضار لشراء المواد والعودة بها إلى المنزل والتعاون على تحضيرها بطرقٍ مختلفة ومن ثم حفظها في "بيت المونة"، وهي منطقة في المنزل لابدّ أن تكون باردة نسبياً، غير مشمسة وجافّة.
أما العائلات التي تمتلك أراضٍ زراعية فيتمُّ تخصيص جزء من حصادها وتوزيعه بحصصٍ من مواد المونة تتناسب مع عدد أفراد العائلة.

إن سبق لكم وأن جربتم الفطور السوري، لابدَّ أنكم لاحظتم تنوع الحواضر فيه؛ كاللبنة والجبنة السورية والمكدوس والشنكليش وأنواع الزيتون والمخلل والمربى. هي أنواعٌ شهية تُحضَّر منزلياً ولن تتخيلوا طعمها بشرح مكوناتها دون تذوقها، لا سيما إذا كانت طازجة محضرة في بيت من بيوت الأرياف السورية.

كما يستخدم السوريون طريقة التجفيف أو التيبيس في عملية التخزين، فترى الخضراوات في هذه الأوقات من السنة معلقة على حبال على الشرفات ودبس البندورة والفليفلة الحمراء منتشرة بكميات قد تكفي لسنة على أسطح البنايات لتتعرض للشمس ما يكفي لتخزينها. بالإضافة إلى أنواع عدة من الزهورات والأعشاب لتحصين أفراد العائلة من أمراض الشتاء.

أنت كألماني غير مُعتادٍ على هذه العادة السورية، لابدَّ وأن تسأل نفسك، من يقوم بكل هذه التحضيرات؟ولماذا يحافظ السوريون على هذه العادة في ظلّ توفر كل شيء مخزّن في السوبرماركات؟

لطالما كانت المرأة السورية ربّة منزل ممتازة، عاملةً كانت أم غير عاملة. وكانت ولا تزال المائدة السورية تتميز بتنوعها وبنكهاتها اللذيذة التي أعطيناكم اليوم إحدى أسرار لذتها، فتحضيره منزلياً يضمن أن يكون "الحبُّ" مكوناً أساسياً فيه، حيث يحرص الأبوان والأم خاصة على أن يكون طعام عائلتهم صحياً ومفيداً دون مواد حافظة ضارة، لذلك يحضرونه بأيديهم ويشبعونه حُباً.

ومع ازدياد ضغوطات الحياة والعمل، ورغبة السوريين بالمحافظة على عاداتهم الصحية الجميلة، توفّرت أسواق خاصة توفر الرفاهية للعاملين والميسورين مادياً وتمكنهم من شراء مؤنهم التي تُحضّر في هذه الأسواق تماماً كما تُحضر في المنزل وتوفّر بذلك عملاً للكثير من الفقراء الذين قد لا يمتلكون محلاً لبيع بضائعهم إلا أنهم يمتلكون الخبرة الكافية في تحضير المونة كفيلة بتشجيع الناس للشراء منهم.

يحافظ الكثير من السوريين على عاداتهم هذه بعد أن وفرت لهم ألمانيا نوعاً من الاستقرار، حيث يشتري الكثير منهم الحليب من بائع ريفي ويحضرون أصناف الجبنة السورية والشنكليش اللذيذ.

لكل شعبٍ من شعوب العالم نكهة وميزة خاصة وإن أمكننا وصف ميزة من ميزات الشعب السوري هو هذه التفاصيل السورية التي نحاول وصفها لكم في هذه الفقرة من "لمحات سورية، Make It Syrian" لعلّنا نتذكر وإياكم موائد السوريين العامرة، بسيطة كانت أم فاخرة، إلا أنها لطالما كانت مشبعةً بحب العائلة.

آملين أن يعمّ السلام في سوريا عاجلاً ويعود السوريون من خيمة الشتات، حاملين معهم طاقةً تكفي لملء "بيت المونة" بالكثير من "الحُبّ".

شارك في هذا العمل

أنس الحكيمعضو سابق

إخراج الفيديو

سارة شماععضو سابق

كتابة وترجمة للغة العربية

محمد يزن اسماعيلعضو سابق

كتابة وترجمة للغة الألمانية \ الإنجليزية

أبي حديدعضو

تدقيق اللغة العربية