الطبيعة وآثارها النفسية والجسدية

منوعات

وقت القراءة.: 7 دقائق

يرتبط الألمان بالطبيعة وبالغابات ارتباطاً وثيقاً، و هي بدورها تمدُّهم بالصحة و الشعور بالراحة و الاسترخاء، فتمضية وقت قصير في الطبيعة و بين الأشجار يقلل من حدة التوتر و يرفع معدل الثقة بالنفس ويقوي جهاز المناعة بشكل ملحوظ.

هذا وقد شاركتنا عالمة النفس البيئي Renate Cervinka تجربتها أثناء جولتها في الغابة و في جبال العنب القريبة التي تقصدها عندما تعاني الضغط والإرهاق النفسي، حيث قالت :

"لقد كان رائعاً صوت هدير جدول الماء في الغابة، و قد أخذتُ عينة من ماء الجدول إلى المنزل فهذا يشعرني بالهدوء والتوازن، أي إذا جاز التعبير Entspannung aus der Dose."

وكما غيناتا تُعَدُّ الغابة بالنسبة للكثير من الألمان مكاناً للحنين والتأملّ، و يحتل كتاب "Das geheime Leben der Bäume" لكاتبه حارس الغابة Peter Wohlleben قائمة أفضل المبيعات منذ الصيف الماضي، فقد صبَّ فيه خلاصة 20 سنة كباحث في علم الغابات Forstwissenschaftler وتحدث عن علاقة الأشجار ببعضها وبغيرها من الكائنات الحية والتأثيرات المتبادلة بينهم.

ويجدر القول أنه إضافةً إلى الغابة تشترك جميع عناصر الطبيعة الأخرى كالبحار والجبال بهذا التأثير النفسي والجسدي وتختلف قوة تأثيرها من شخص لآخر حسب شخصية الفرد وطبيعته.

فعلياً تكفيك 5 دقائق للتزود بالطاقة و النشاط - Die 5 Minuten reichen schon, um aufzutanken

إنّ ما عبّرت عنه عالمة النفس البيئي Renate Cervinka هو ليس مجرد شعور شخصي و إنما نتيجة أبحاث توصلت لها مع زملائها في الجامعة الألمانية Wien.

ولاحظوا هذه التغيرات التي تحدث خلال المشي بين الغابات وتأمل الطبيعة

  • القلب ينبض بهدوء بشكل ملحوظ.
  • ينخفض ضغط الدم.
  • تسترخي العضلات و يتلاشى في الوقت نفسه كل من التوتر والإجهاد.
  • تظهر الملامح الإيجابية عند من تملَّكهم الهم واليأس.

وكل ذلك يحتاج فقط ل 5 دقائق ليحدث، فلا حاجة لك لأن تمضي ساعات كما يعتقد البعض وبالذات من يعاني القلق المزمن حسب دراسة قام بها خبراء من جامعة Essex.

وحسبما قالت غيناتا فإن إمضاء الوقت بالقرب من جدول ماء هو أكثر ما يزيد هذا التأثير الإيجابي.

أما بالنسبة للفئات العمرية فيمكن القول أنها جميعها استفادت من التجربة ولكن التأثير بالثقة بالنفس كان بارزاً لدى الشباب وبالأخص الواقعين تحت الأعباء المهنية والشخصية.

ومثلما أن المزاج والثقة العالييَن من أهم عوامل الصحة النفسية والجسدية برأي علماء النفس فإنه يؤثر أيضاً على تحسين القدرة على التعامل مع الأحداث اليومية المجهدة والمرهقة وعلى إيجاد الحلول لها، أي ما يسمى باللغة الألمانية Resilienz.

"و هي القدرة على المواجهة و التعلم من الأخطاء".

وجود الأشجار يساعد على الشفاء من الأمراض - Bäume in der Umgebung helfen bei Heilprozessen

لقد اكتشف الباحثون أن الأشجار لها تأثير مباشر على جهاز المناعة وفقاً للدراسات التالية :

  1. في دراسة أُجريت عام 1984 لاحظ عالم الصحة Roger Urlich أن المرضى الذين خضعوا لعملية المرارة و الذين تُطلُّ غرفهم على منطقة مشجرة امتثلوا للشفاء واستعادوا صحتهم بسرعة أكبر من غيرهم كما احتاجوا مسكنات أقل.
  2. وفي دراسة إحصائية للبيانات الصحية التي أجراها الطبيب Qing Li على مجموع الشعب الصيني، تبين بوضوح أن عدد الأشخاص الذين يقطنون بمناطق مشجرة و ماتوا بسبب السرطان أقل مقارنة بمن يسكنون مناطق فقيرة بالأشجار، وذلك بعد استبعاد جميع عوامل التأثير الممكنة الأخرى المؤدية للموت.
  3. كما أصدر عالِم النفس البيئي Marc Berman من جامعة شيكاغو دراسة علمية أخرى في المجلة العلمية المعروفة Natur دَرَس فيها العلاقة بين كثافة وجود الأشجار وبين الحالة الصحية لسكان مدينة تورنتو الكندية و خَلَصَ إلى النتيجة "كلما كانت الأشجار في المنطقة السكنية أكثر، كلما قلَّ خطر إصابة سكان هذه المنطقة بأمراض القلب و الشرايين وارتفاع ضغط الدم والسكر، وأَنّ وجود 10 أشجار حول المبنى جعلت السكان هناك أصغر ب 7 سنوات طبيّاً.
  4.  كما استكمل الباحثون في Nippon Medical School في طوكيو هذه الدراسة و أظهروا مصدر هذا التأثير القوي على جهاز المناعة، حيث وجدوا أن عدد الخلايا القاتلة الطبيعية Killerzellen يزداد في الدم بنسبة 50% و يبقى هذا الازدياد حوالي أسبوع، حيث أن الخلايا القاتلة تشكل مكوّن أساسي في جهاز المناعة وتلعب دوراً هاماً في رفض الأورام والخلايا المخموجة بالفيروسات، وقد رأى العلماء أن هذه الخلايا المهمة تَنْشَط من خلال عملية التركيب الضوئي التي تقوم بها أساساً الأشجار لحماية نفسها من العوامل الممرضة، ومن يقضي الوقت بينها يستفيد من ذلك أيضاً.

في الطبيعة لا تضطر لتحاشي المثيرات العصبية - In der Natur muss man nicht ständig Reize abwehren

إلى جانب التفسير الطبي هناك أيضاً تفسير نفسي يقدمه العالمان النفسيان Rachel und Stephan Kaplan من خلال نظرية استعادة الانتباه "Attention Restoration"، وقد قال الباحثان أن حولنا الكثير من المثيرات العصبية التي تؤثر علينا بشكل مستمر وغير مباشر كصفارات الإنذار المزعجة أو ضجيج مركبات البناء أو وجود جار يحدث ضجيج باستمرار كل هذه المزعجات يتم تحاشيها ظاهرياً ولكنها تُختزن باللاشعور ومن ثم يظهر تأثيرها على المدى الطويل.

أما في الطبيعة فنادراً ما يشُتت الانتباه بسبب هكذا مثيرات بل على العكس فالنظر إلى السحب المارة أو الاستماع إلى أصوات العصافير يعالج الإرهاق الذهني الناتج عن سيل الضغوطات اليومية.

نمط المكان الطبيعي الذي يناسب مرتبط بنمط شخصيتك - Wer wo wohlfühlt,hängt von der Persönlichkeit ab

إنَّ الراحة في الأرياف الجميلة وبين الأصوات العذبة هو أمر متفق عليه بين الجميع، ولكن الطبيعة تملك وجوه متنوعة غابات هادئة، مناظر جبلية مفعمة بالثغور الخفية، محيطات رغوية، صحارى صامتة.

والسؤال هنا، هل تملك كل هذه الأنماط الطبيعية التأثير نفسه على روّادها؟

لو أخذنا الإجابة من وجهة نظر فنية لكانت "نعم "، فقد تبنى الرسام Vincent van Gogh هذه القاعة وقال :

"عندما تعشق الطبيعة بصدق، ستجد كل مكان فيها جميل".

لكن من وجهة نظر علمية هي ليست بهذه الدقة!

فقد قام فريق البحث الأمريكي Shigehiro Oishi من جامعة فيرجينيا بإثبات أن نمط الشخصية يلعب دوراً بارزاً باختيار المكان الطبيعي الأكثر تأثيراً.

فالشخص الإنطوائي يشعر بحالة جيدة في الجبال بينما الشخص الاجتماعي يحبذ منظر البحر حيث الشواطئ الواسعة تعكس داخليته المنفتحة اجتماعياً أما الخجولين اجتماعياً فيميلون إلى المناطق الجبلية حيث يجدون ذاتهم.

و بناءً على ذلك فإن كل من يقطن في مكان طبيعي يناسب شخصيته  يمتلك حظّاً سعيداً، وتأكيداً على ذلك ما قاله باحثون من جامعة هيلسنكي

في عام 2015 حيث قاموا بمقارنة جميع أنماط الشخصيات ل 56.000 لندنياً مع طبيعة أماكن سكنهم وتبين أن الذين يعيشون في مكان مفعم بالطبيعة يناسب شخصياتهم هم الأكثر سعادة.

شارك في هذا العمل

لميس عبلةعضو سابق

كتابة وترجمة للغة العربية

محمد صوافطهعضو

تدقيق اللغة العربية

حقوق النشر والمصادر

Nur fünf Minuten im Wald stärken Ihr Selbstbewusstsein